إسحاق شهدي يكتب : عن إنسان سعيد
- منذ زمن بعيد، و الشعوب تسعي لحماية نفسها من أخطار بعضها البعض.
و منذ نفس ذلك الزمن البعيد ، و الشعوب تسعي للحياة في سلام .
و بعيدًا عن عامل الزمن ، يسعي جميع من في الأرض إلي الحياة . و لكلٍ طريقه و شخصيته .
و عن عصرنا هذا ، فبقليل من الإطّلاع علي مواقع التواصل الاجتماعي من حين لآخر ، يمكنك قراءة و رؤية كل الطرق المُتبّعة في السعي نحو الحماية و الحياة .. علي اختلافها من شعبٍ لآخر .
و للأسف . ليس كل ما تراه علي فيسبوك يعبّر عن سعي واضح واعٍ للحياة . فهناك ما يمكن أن تسميه : سعي للحياة ، و هناك أيضا ما يناسبه أكثر أن تسميه : صراع .
ففي وطننا العربي، و تحديدًا منذ اندلاع ثورات الربيع العربي ، و المنطقة بأكملها في اضطّراب . الجميع مرّ بحالة التفاؤل تلك التي عقبت ثورتي مصر و تونس تحديدًا .
أحد من أحرص علي متابعهم غرّد علي تويتر قائلا :
" ياعرب إنّ زمن الإمبراطوريات انتهى نحن فى زمن التكتلات الاقتصادية يمكننا أن نكون اتحادا عربيا كالاتحاد الأوروبى مصر استيقظت و أنتم أيضا "
و لكن ماذا حدث بعد تلك الحالة التي وصلنا إليها جميعًا ؟ .
- ما حدث معروف للجميع، المهم : لماذا حدث ما حدث ؟ حتّي لا يتكرر مرة أخري . و حتي نضع نهاية له يومًا ما .
- قبل أن تجيب لنعود مرّة أخري إلي فيس بوك . في نفس تلك الحقبة الزمنية انتشرت صورة عجيبة عن أحد المنازل الواقعة علي الحدود بين بلجيكا و هولندا . حيث يمر داخل هذا المنزل خطّا يفصل بين الدولتين !
و كُتب أيضا عنه أنّ نصف المنزل كان يخضع لحساب الكهرباء بالنظام الهولندي و يدفع لحكومة هولندا، و النصف الآخر لبلجيكا !! ما هذا ؟!
أليس مفهوم الحدود لدينا هو سيناء المليئة بالقتلي و الإنفجارات و جنود الجيش ؟!
- الفارق بين نوعية ما تراه من أخبار و صور عن المنطقة العربية ، و عن أوروبا بكامل دولها هو أنّنا كـدول عربية، في سعينا لحماية أنفسنا ، نسينا الحياة .
و ماذا كانت النتيجة ؟ ماذا كانت نتيجة فكر "الحماية" اللعين هذا ؟
أنظمة قوية ، قامت بحماية نفسها من خطر في ظنّهم اسمه "المعارضة" ، مع رغبة حقيرة منهم في الاستمرار في الحكم مدي الحياة .
و صورة واحدة لأحد شعوبنا التي تعاني من الفقر و المرض و الجهل يمكنها أن تخبرك بنتيجة هذا الطريق .
أرادوا الحماية فلا نالوها ولا نالوا الحياة .. هذا مُلخّص المنهج و النتيجة.
- أمّا في الدول الأوروبية ، أدرك الزُعماء أهمية ما يسمّي " التعايش " . و بُنيت الدول علي مبادئ مثل الحرية و الديموقراطية و القانون .
و أيضا صورة واحدة من أوروبا مثل صورة ذلك المنزل الذي تحدثنا عنه مسبقا يمكنها أن تخبرك بما يمكن أن تصل إليه الأوطان التي تتبنّي هذا الطريق .
أرادوا الحياة، فلم يحتاجوا إلي الحرب من أجل الحماية. لأنّ إرادة الحياة وحّدتهم بمن حولهم . و كانت لهم الحياة حياة بحق !
و عليه ، يمكننا أن نقول : أنّ ما جهلناه علي نطاق ضيّق داخل دولتنا، له نفس منبع الجهل الذي انتشر بين حُكّام العرب . و هو ما أضاع أمان المنطقة العربية بأكملها . و ما أدركه و وعيه الأوربيون علي نطاق ضيّق داخل كل دولة بين مختلف اتجاهاتها السياسية و الانسانية ، هو ما طبّقوا مبادئه علي نطاق واسع . فـ أصبحوا إتحادا أوروبيا مثل ذاك المعروف ، بعملة واحدة و سوق واحد و شبكة مواصلات واحدة .
و الأهم من ذلك كلّه : بإنسانٍ سعيد.
هل لنا أن كـ مواطنين عرب نكون مثل إنسانٍ سعيد ؟
المبادئ موجودة ، إن أردنا أن نصل لشئ جديد يخرجنا من هذا الكابوس الذي نحيا فيه بين داعش و بين الصراعات الداخلية و الخارجية و الضربات العسكرية و كل هذا الجحيم بمظاهره.
أو حتّي إن أردنا أن نحافظ علي ما تبقّي و نمضي به خطوة للأمام .
علي أي حال :
لن نصل قبل أن نفهم ، فالوعي دائمًا قبل السعي .
إسحاق شهدي يكتب : عن إنسان سعيد
Reviewed by Unknown
on
5:22 ص
Rating:

ليست هناك تعليقات: