إسحاق شهدي يكتب: سوف تلهو بنا الحياة
- " ... سوف تلهو بنا الحياة و تسخر ،
فتعالي أحبك الآن أكثر ... "
هكذا غنّت أم كلثوم في إحدي مقطوعات رائعتها الشهيرة " هذه ليلتي ".
و هي من كلمات الشاعر المُبدع "جورج جرداق". اللبناني الراحل عن دُنيانا في السادس من نوفمبر من العام الماضي.
- هل تشعر أحيانا أنّ الحياةِ تلهو بك ؟ ..
و وقتما تلهو .. ماذا تفعل لتواجهها ؟
هل تهرب ؟ تجلس أمام شاشة التليفزيون أو علي الانترنت أو تخرج من بيتك منهمكًا في العمل من الصباح الباكر و لا تعود إلّا علي النوم -الذي عادة ما يأتِ بصعوبة من كثرة التفكير- ؟
هل تكتئب ؟ تجلس مُنفَرِدا وحيدا ، غارقًا في الأفكار ، قَلِقًا بشأن الغد نائحًا علي الأمس مُضيّعًا اليوم !
أم لديك طريقة أُخري لتُواجه بها الحياة بـ قوّة ؟
- الآن تتردّد في آذاننا الأغنية ، مُعلنةً بالفن عن أقوي الطُرق لمواجهة لهو الحياة، حينما نسمع الست تُطربنا قائلةً : فتعالي .. تعالي أحبُّكِ الآنَ أكثَر .
نعم، " بالحب، نواجه الحياة " .
بالحب نلهو نحن بها ، و بالحب لا نجعل من لهوها و عبث ما تُقدّمهُ لنا في الكثير من الأوقات شيئا مُؤثّرًا علي قلوبنا .
و إن أردنا كلامًا عمليّا ، يخرج عن النطاق الفلسفي إلي النطاق الحياتي ، دعنا نطرحُ نوعين من الحُب لا غِني لأي إنسان يريد أن يحيا سعيدًا عنهما :
- الأوّل هو حب الآخرين و هو ليس أن تُحب الآخر فحسب، بل أن تستقبل منه الحبَ أيضا .
حُبّا يكسر الوحدة بفراغها ، و يُساند العقل في حيرته . يُريح النفس في ضيقها، و يشد من عزيمتها في انكسارها . حبًا يحتضن القلب بالقلب ، بمُواجدة و تعاطف و قَبولً . حبًا عمليًا يقدّم المُساعدة، و الكلمة المُشجّعة و الوقت و الاحتواء، و ليس الهدايّا فحسب .
حبًّا يمنح الآخر فيه نفسه .. وجوده ، لك . قبل أن يمنحك شيئا من وقته أو كلماته .
- أمّا الثاني، فهو " حب النفس " . أو " قَبولِها " .
و مَن يحب نفسه بـ اتّزان و يقبلها، من السهل أن يعتمد عليها . و يري في نفسه شخصًا أهلًا للثقة. أمّا من لا يقبل نفسه، هو دائم الشعور بأنّه "غير كافٍ" . دائما ما يحتاج لمَن يمنحه القُبول حتّي يشعر بالإكتمال و الكفاية.
من يقبل نفسه، يشعر بالاستمتاع بقضاء بعض أوقاتٍ معها . و من لا يقبلها، تصبح أقلُّ أوقات الوحدة لديه جحيم آخر !
من يقبل نفسه، يُجيد التعامل مع الانتقادات، فلا يهتز مع أي كلمات ناقدة، بل يُعقلها أوّلا . فهو لا يميل إلي ثقافة لوم النفس و جلد الذات و الإتيان بالملامة الدائمة عليها في أي وقت علي أي شئ .
و هو أيضا يُجيد التعامل مع أخطاؤه ، فلا يجد حرجا من أي يعتذر . فقبوله لنفسه يمنحه الشجاعة الكافية لمواجهتها بأخطائها، و احترامه لها يجعل اعترافه بالخطأ شئ غير مُخجِل، بل واجب و شرف.
- مُواجهة الحياة اللاهية بنا، تحتاج منّا إلي "الحب" ، و هوَ ذلك الإتّزان بين محبة النفس و الآخر.
مواجهة الحياة، تحتاج ألّا نترك أنفسنا تسير في الطريق وحدها. ينبغي أن ندعمها و نقبلها و نشجعها .. نقبلها دائما، و ينبغي أيضا أن نستقبل الحب و الدعم من أصدقائنا المخلصين.
نكُون لأنفسنا أصدقاء أوّلا، و نستمتع بصداقة آخرين في نطاق مماثل.
- كي نواجه الحياة،
ليغنّ كلّ منّا بكلمات المُبدع جورج جرداق، إلي أحبّته. و إلي نفسه أيضا :
سوف تلهو بنا الحياة ، و تسخر
فتعالي .. أحبُّكَ الآن أكثر ..
فلنُغنّيها أيضًا في أوقات اختلافنا، و في خريف علاقاتنا قبل ربيعها .
فليس لنا في هذه الحياة سوي الحب .
فلنحب الآن و دائما .. فكل وقتٍ يُدعي الآن،
فلنُحبُّ كثيرًا، و يوجد لكل كثيرٍ أكثر .
إسحاق شهدي يكتب: سوف تلهو بنا الحياة
Reviewed by Unknown
on
11:29 ص
Rating:

ليست هناك تعليقات: